الفهم.. بين الخبرة والشهادة.
في زمنٍ باتت فيه الشهادات الجامعية تُعلّق على الجدران كأوسمة فخر، نسى البعض أن الوعي لا يُقاس بورقةٍ تحمل توقيع جامعة، ولا بدرجة أكاديمية تُضاف إلى الاسم. ليس كل من نال دكتوراه في السياسة هو بالضرورة سياسيٌّ فاهم ومدرك لعمق الواقع. فالفهم لا يُمنح، بل يُكتسب من التجربة، من الاحتكاك بالناس، ومن قراءة الحياة بعينٍ صادقة وضميرٍ حي.
هناك أشخاص لم تطأ أقدامهم قاعات الجامعات، وربما لا يعرفون حتى كتابة أسمائهم، لكن عقولهم تُنير دروب الحقيقة أكثر من كثيرين يحملون أعلى الشهادات. هؤلاء يمتلكون ما هو أثمن من أي شهادة: نظرة صافية وضمير صادق وإحساس عميق بالوطن والقضية.
السياسة ليست قانونًا جامدًا ولا بروتوكولًا يُحفظ، بل هي وعيٌ وشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع. ومن الخطأ أن نحصرها بين دفّتي كتاب أو شهادة. هناك من يملك الماجستير والدكتوراه، ومع ذلك لا يعرف كيف يُعبّر عن رأيه، ولا يفقه شيئًا في جوهر السياسة، لأن الوعي لا يُدرّس، بل يُعاش.
الشهادة لا ترفع مقام الإنسان، ولا تُنقص من قيمته إن لم يمتلكها. إنها مجرد تفصيل صغير يُضيف لمسة لحياته، لكنها ليست مقياسًا للعقل أو للحكمة. ومن يعتقد أن الجامعة هي أساس الفهم والإدراك، فهو لم يختبر بعد عمق الحياة ولا وعي الإنسان الحقيقي.
كم من متعلمٍ ينشر الجهل، وكم من أميٍّ ينشر النور!
السياسي الحقيقي هو من يملك فكرًا منفتحًا، يتقبل الآخر، يُنصف الحق، ويرفض الظلم والتعصب. بينما هناك من نال أعلى الدرجات العلمية، لكنه يستخدم علمه ليزرع الفتنة وينشر الفقر الفكري بين الناس.
لذلك، لا تُقاس قيمة الإنسان بما يحمل من شهادات، بل بما يحمل من مبادئ وصدق ونقاء نية. فالعقل الواسع، والرؤية الصافية، والقلب الصادق، هي أسمى من كل جامعة في العالم.

بقلم: هيلين هسام .

Share:

author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *